Saturday, January 03, 2015,1:59 AM
ذكرى حبوب الحبهان

الملعقة الخشبية مهولة الحجم تدور بالقدر الرمادي مخلفة دوامات من الدسم وحلقات من البخار المحمل برائحة مرق اللحم وصنوف الأعشاب تلقيها أمي بعد ان تزنها بين أصابعها بجبين مقطوب، نرمقها من بعيد كساحر إفريقي يستخرج الذهب من الصخور نصفق أحياناً حين تعيد العلب الصغيرة لمكانها دون أن تنظر تتشمم البخار المتصاعد فتومي برأسها موافقة ودون ان تلتفت تلتقط العلبة الخشبية وتلقي في الآنية حبة فاثنتان فثلاث من الحبهان الأخضر الباهت تنتظر للحظات لتلقي الرابعة وتعيد الغطاء وتلتفت لنا..نصفق من جديد فتكافئنا بأقراص النعناع وننفض لفورنا

نلهو مع صغار العائلة حول طاولة الطعام حتى تنتهي النساء من اعدادها يثنين على طعام أمي قبل ان يتذوقوه ورائحته تملأ الأركان تغمز لي أمي مع كلمات عمتي عن عشقها للبن الممزوج بالحبهان الذي تصنعه أمي يهنئ الجميع الجميع بالموسم واستعدادهم لرمضان الآتي بعد انتظار، أسبوعين ونجتمع بنفس الطاولة وكل عيد لكن أمي تصر ان غداء النصف من شعبان هو الأهم 

نعرف جيداً ان حبات الحبهان الأربع ستختبئ جيداً بين حبات لسان العصفور تتسلل لتنسحق تحت ضروسنا الصغيرة لتفسد مرارتها المساء بطوله، تدمع عيني أختي  وقد عجزت عن التخلص من الحبات السوداء الصغيرة فأخرجت احداها وخاطبتها "أكرهك" شكونا الحبهان لأمنا طويلا آملين ان تكف عن استعماله لكنها لم تلن لنا
حبات الحبهان طموحة تتسلل لمطحنة البن الخشبية فتلتصق رائحتها بها، تنفرط في كوب الشاي والحليب الصباحي لأمي فنصرخ "ستؤلمك" وتبتسم أمي "غدا تحبوه مثلي"، استولى حتى على فطائر التمر التي تصنعها صباح الجمعة وتتركنا نُشكِّلها أهله ونجوم فاستسلمنا وانتصر هو

عشرون عاماً تقف أمام قدورها تمارس السحر الشهي تحتفظ بالحب الشرير في علبة خشبية تخشى عليه من الضوء ورداءة البلاستيك، اعتدنا تجنبه أثناء الأكل وأثناء الطهو فتتسلل أمي متكئة على عصاتها الخشبية تلتقط حبات أربع وتلقيها في القدر وتعود لفراشها راضية، لا تعاتبني ان تجاهلت إضافته لعجين فطائر التمر فقط لا تأكله، أو نسيت إضافته لكوب الشاي بالحليب الصباحي فلا تشربه

 أعيش وحدي بعد زواج الاخوه الكبار ووفاة أبي وحبات الحبهان الأربع بطبق المرق صاروا من نصيبي أطحن بعض حباته وأمزجه بالبن فرائحته التصقت بمسام الخشب بأيه حال ولا يمكنني طحن البن بمطحنتنا الخشبية دون ان تتسلل رائحته للمسحوق البني الأثير، فطائر التمر تفقد جل طعمها دونه فلا بأس من بعض الحبات هناك
 القدر الرمادي ساكن بالرف الخشبي أحمله وأتشممه لا يحمل سوى رائحة ليمون سائل التنظيف ذاكرة الألومنيوم سيئة عكس الخشب شديد الإخلاص أستحضر خطواتها السحرية فتحاصر أنفي روائح البخور وأوراق النعناع وأكواب الحلبة وصابون الغسيل المبشور، أهاتف اخوتي واستميت في دعوتهم مستعيرة كلماتها الحبيبة " ده موسم" دون ان التفت التقط العلبة الخشبية المملوءة وألقي حبة اثنتان ثم ثلاث حبات من الحبهان وأهم بالخروج ثم أعود لألقي الرابعة وابتسم قبل ان انتقل لتجهيز التمر وإعداد الفطائر

على الأريكة العالية أفرد ساقاي أتشمم كوب الشاي بالحليب العملاق رائحة الحبهان تتصاعد أتشممه فتلتقي عيناي بعيناها في الصورة التي احتلت نصف الحائط وكل قلبي "غدا ستحبينه مثلي"

 
Posted by saso | Permalink | 3 comments
Cheer Up It's Spring Time is dedicated and designed by ferekico Special thanks and real appreciation for ferekico